إنّ الأسرة المتوازنة الصحيّة تعتمد على وجود الوالدين معاً في تربية أطفالهم، فلكلّ دوره في التربية، ولا يمكن أن يقوم أحدهم بواجب الآخر إلّا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأهمية وجود الأب تعتبر هامة وضرورية على الرغم من اعتبار الأم هي المحور الأساسي في التربية، حيث وجد بعض الباحثين بأنّ وجود علاقة إيجابية ما بين الأطفال والآباء يساعد على تنمية شخصية الأطفال واحترامهم لذواتهم، بالإضافة إلى ذلك، فإنّهم يكبرون ولديهم إحساس أفضل بقيمتهم وهم أكثر ثقة بالنفس، والأطفال الذين يتمتعون بهذه السمات يكون لديهم قدرة أفضل على التكيّف مع بيئة المدرسة والبيئات الجديدة. إلّا أنّ غياب الأب قسرياً أو اختيارياً يعّد تحديًا كبيرًا يواجه الأم في غياب الأب لتربية الأطفال والقيام برعايتهم ومتابعتهم ليكونوا أطفالاً أسوياء داخل المجتمع.[١]


آثار غياب الأب عن الأسرة

إنّ غياب الأبّ عن الأسرة له تأثيرات سلبية كثيرة على تربية الطفل وعلى الأسرة بشكل عام؛ فعندما يحرم الأطفال الصغار من وجود أبوي قوي في حياتهم، يمكن أن يصبحوا عرضة لمجموعة واسعة من التحديات والمشكلات. وقد يكون غياب الأب قصرياً أو اختيارياً، ولكن في جميع تلك الحالات فإنّ عدم وجوده جسدياً وعاطفياً سيؤدي إلى ارتفاع فرص ظهور بعض المشكلات لدى الأطفال، ومنها[٢]:


  1. مشكلات سلوكية: حيث يمكن أن تزيد فرص ظهور مشكلات سلوكية وانفعالية، كالعدوانية والعنف والاعتداء والغيرة والكذب وغيرها من الأمور، يضاف إلى ذلك فرص انتشار لبعض السلوكيات السلبية كشرب الكحول والمخدرات والسرقة.
  2. ارتفاع في حالات التسرّب من المدرسة.
  3. مشكلات نفسية وعقلية: قد يتعرّض الطفل لمزيد من المشكلات الصحيّة النفسية كالاكتئاب أو القلق أو مشاكل الصحة النفسية والعقلية الأخرى. فبصرف النظر عن تدنّي احترام الذات الذي قد يحدث للطفل، فإنّ النمو بدون أب يعرّض الطفل لخطر أكبر في الإصابة بمشاكل صحية عقلية خطيرة.
  4. مشكلات وتحديّات مادية: قد يكون غياب الأب سبباً بانخفاض دخل الأسرة ومواجهة بعض المشكلات الاقتصادية.
  5. مشكلات في التكيّف النفسي والاجتماعي: قد يواجه الأطفال صعوبة في التكيّف في المدرسة أو العثور على أصدقاء، أو في التكيّف النفسي والاجتماعي بشكل عام.
  6. صدمة وأزمة التعلّق: يمكن أن يؤدي التعامل مع غياب الأب، سواء كان ذلك جسدياً أو عاطفياً إلى إصابة الطفل بصدمة أو أزمة التعلّق، أو نمط التعلّق المرضي الذي من شأنه أن يسبب مشاكل في بناء وشكل العلاقات التي يمكن أن يقوم بها الطفل في المستقبل.


أساليب تربية الطفل في غياب الأب

إنّ وجود الأطفال دون آباء قد يسبب مجموعة من المشكلات أمام الأم أو مقدمي الرعاية، لذا فهناك مجموعة من الأساليب التي قد تساعد في العناية بالأطفال وتربيتهم في غياب الأب، ومن تلك الأساليب ما يلي[١][٣]:


  • بناء علاقة دافئة وآمنة: يعّد أسلوب التعّلق الآمن هو الأكثر صحة وفعالية في تربية الطفل بغياب الأب، فعندما يتلقى الطفل رعاية وعاطفة ودعماً عاطفياً ثابتاً من والدته أو مقدم الرعاية، فذلك قد يفيد في تنشئة إيجابية وصحيّة للطفل من خلال تطوير وبناء وسيلة ارتباط آمنة.
  • المحافظة على بناء من الروتين والقيود: يعّد اتّباع روتين منتظم من أفضل الطرق والأساليب لبناء الشعور بالانضباط لدى الأطفال، وجعل الحياة اليومية أسهل، كما أنّها توفر البناء التنظيمي الذي يحتاجه الأطفال ويساعدهم على الشعور بالأمان في المنزل وخارجه، كما أنّ الأمر نفسه ينطبق على الحدود والقوانين حيث يحتاج الأطفال إلى التعلّم من سن مبكرة بأنّ القواعد والحدود يجب اتّباعها، ومن المهم أن يكون جميع أفراد الأسرة أو غيرهم من مقدمي الرعاية على دراية بقواعدك وتطبيقها حتى عندما لا تتواجد هناك، لتوفير جو من التناسق والانسجام في التعليمات والقواعد خصوصاً في الأسر الممتدة. والتنسيق مع مقدمي الرعاية الآخرين في حياة طفلك مهم لتوفير الانضباط المستمر.
  • لا تبالغ في الحب: إنّ منح أطفالك الكثير من الحب والمودّة يعّد أمراً جيداً، فهو يسمح بتكوين رابطة أقوى مع أطفالك ويساعد أيضاً في تطور بنائهم العاطفي، إلّأ أنّ غياب الأب قد يكون سبباً بأن ترغب في تعويض عاطفة أو اهتمام الأب، لكن أثناء قيامك بذلك، تأكّد من أنك لا تبالغ في الحب الذي يرافقه التسامح دوماً وأن لا تقوم بالتعويض المفرط بالهدايا والتعزيز المتواصل غير الهادف والاستسلام لكل مطالب الأطفال لأنّ ذلك قد ينعكس سلباً على الأطفال وسلوكهم.
  • رعاية جيدة للأطفال: قم بتقديم رعاية جيدة للأطفال من الناحية الجسدية والعقلية والنفسية، وكن حذراً باستقطاب رعاية بديلة أو بتسليم الرعاية لأشخاص غير موثوقين، فإنّ الرعاية والمتابعة لطفلك في غياب الأب تحتاج لشخص مهتم ومرتبط بشكل كامل مع الأطفال. ولكن إذا كنت بحاجة إلى رعاية أطفال منتظمة ووقتك لا يسمح فابحث عن مقدم رعاية مؤهل يمكنه توفير التحفيز في بيئة آمنة.
  • المشاركة الفاعلة مع الطفل: يعتبر من الجيد أن تمدح طفلك، وتمنحه حبك ودعمك غير المشروط بشكل غير مبالغ، بالإضافة إلى تخصيص وقت كل يوم للعب أو القراءة أو الجلوس مع طفلك.
  • لا تلوم نفسك: إنّ وجود طفل دون أب لا يعّد سبباً لتخفيف القيود والقوانين؛ لذا فلا تقوم بمعاتبة أو لوم نفسك، بل قم بواجبك في التربية بشكل حازم وواضح.
  • اطلب المساعدة عند الحاجة: إنّ نقص الخبرة في مهام الأب وأسلوب التعامل مع الأطفال في غياب الأب يحتاج في بعض الأحيان مراجعة المتخصصين التربويين والنفسيين وطلب الدعم والنصيحة لتقديم واجب الرعاية والتربية بشكل صحّي.
  • كن إيجابياً وحافظ على صحتك النفسية والجسدية: حافظ على حسّ الفكاهة لديك عند التعامل مع التحدّيات اليومية، وقم بالاهتمام بنفسك كإدراج النشاطات البدنية في برنامجك اليومي، وكذلك اتّباع نظام غذائي صحّي والحصول على كم كافٍ من النوم، وترتيب وقت لممارسة الأنشطة التي تستمتع بها بمفردك أو مع الأصدقاء، وامنح نفسك مساحة خاصة. حيث أنّ رعاية طفل في غياب الأب يتطلب جهداً كبيراً؛ لذا فالمحافظة على الإيجابية والصحة الجسدية والنفسية لمقدم الرعاية ستنعكس على تعاملك مع طفلك ولو بشكل غير مباشر.


خاتمة

يحتل الآباء دوراً حاسماً في تطوّر نمو الطفل، حيث أنّ غياب الأب يعيق النمو من الطفولة المبكرة حتى الطفولة وحتى البلوغ، كما يستمر الأذى النفسي لغياب الأب أثناء الطفولة طوال العمر. كما تعّد العلاقة بين الأب والطفل أكثر أهمية في الرفاه الاجتماعي والعاطفي للأطفال، فضلاً عن التحصيل الدراسي والتكيّف النفسي والاجتماعي للطفل. وغياب مشاركة الأب في التربية تزيد من تكرار المشكلات السلوكية لدى الأطفال، وترفع من مستوى المشكلات النفسية لديهم. وبشكل عام، فإنّ التأثير الذي يمكن أن يحدثه غياب الأب كبير جداً. فمثلما توجد العديد من الجوانب الإيجابية لمشاركة الأب، فإن آثار غياب الأب يمكن أن تكون ضارة أيضاً، فمهمة الأم أو مقدمو الرعاية ستكون مضاعفة لتعويض وجود الأب وتقديم الرعاية والتربية الفضلى لمساعدة الأطفال على النمو بشكل إيجابي وصحّي[٤].


المراجع

  1. ^ أ ب "6 Ways Having An Absent Father Impacts Children", www.findyourmomtribe.com. Edited.
  2. "Breaking the Cycle of Absent Fathers", www.focusonthefamily.com. Edited.
  3. "Single parent? Tips for raising a child alone", www.mayoclinic.org. Edited.
  4. "A fathers impact on child development", www.all4kids.org. Edited.