إن التربية من أهم المهام المرتبطة بالوالدين وأخطرها، وهي تمثل مسؤولية كبيرة على الوالدين؛ لما فيها من صعوبات وتعقيدات ومشكلات، ولا بد وأن الأهالي جميعهم يشتركون في الهدف نفسه، ألا وهو تربية أبنائهم تربيةً سليمةً وتنشئتهم بأفضل السُبل، ولا بد من وجود عوامل كثيرة تؤثر في تربية الطفل وقد تغيرها أيضًا، فما هي هذه العوامل، وما تأثيرها على الطفل؟ هذا ما سنطرحه في المقال.


ما هي العوامل التي تؤثر في تربية الأطفال؟

تؤثر العديد من العوامل في تربية الأطفال وسلوكاتهم، ومن أهمها ما يلي:


1. العامل الأسري

لا شك في أن الأسرة هي أول عالم يختلط به الطفل، وبالتالي هي أول وأهم عامل يؤثر به وبتربيته وشخصيته، فيولد الطفل وكأنه أشبه بلوحٍ أبيض يخط عليه الأهل كل شيء؛ من تصرفات، وأقوال، وأفكار، وقوانين، واهتمامات، وأخلاق، فلا بد بأن الوالدين يمثلان قدوةً لطفلهما في كل شيء، فالطفل سيقلدهما بأبسط الأمور، فإذا واظبت على أداء الصلاة كل يوم سيشعر طفلك بأهميتها، وكذلك إذا اعتدت أن تعيد الأشياء إلى أماكنها بعد الانتهاء من استخدامها، وتنظيف الغرفة بعد جلوسك فيها، بالإضافة إلى أبسط الأمور التي يمكن أن تطبقها أمام طفلك، كالابتسامة بوجه الجيران، وشكر عامل النظافة، والثناء على الآخرين، كلها أمورٌ سيخزنها طفلك تدريجيًّا في عقله الباطن، لتصبح جزءًا منه أيضًا، لهذا يجب أن يحرص الأهل دومًا، على أن يكونوا قدوةً حسنةً لأبنائهم.[١]


2. العامل الاجتماعي

من الطبيعي أن يتأثر الطفل بالعلاقات الاجتماعية من حوله، والتي ستحدد كيف سيرى العالم من خلالها، وكذلك تؤثر على تطوره في جميع المجالات؛ كعلاقاته مع والديه، وأفراد أسرته، وأقاربه، وجيرانه، إذ إن هذه العلاقات هي التي ستتيح للطفل التعبير عن نفسه، سواء أكان ذلك بالصراخ أم بالضحك أم بالسؤال أم بالحزن أم بالاحتضان، لذا ستجد الطفل الذي يعيش في بيئة منفتحة ذات علاقاتها مترابطة وقوية أكثر جرأةً وأقوى شخصيةً وأدرى بكيفية التعامل مع الآخرين ومواساتهم، على العكس من الطفل الذي يعيش في بيئة مقيدة ذات علاقات محدودة أو حتى معدومة، إذ إنه سيفقد أدنى قدرات التواصل مع الآخرين، وستضعف قدرته على التعاطي مع المواقف المختلفة، مما يجعل منه طفلًا خجولًا وانطوائيًّا وأقل تعاونًا، وفي بعض الأحيان يمكن أن تنقلب الأمور ليصبح عدوانيًّا؛ لأنه لا يعرف كيف يتصرف، أو كيف يحل الأمور، على العكس من الطفل ذي العلاقات الدافئة والمقربة، فعلى سبيل المثال عندما يروي طفلك أحداثًا وأمورًا خيالية، وتستجيب له وتتفاعل مع حديثه، فإنك بهذا ستشجعه على الاستكشاف والتجربة، وكذلك عندما تتحدث معه عن أمر يزعجك، فهذا سيجعله يتعلم كيفية التعاطف مع الآخرين، لذا يجب عليك أن تعطي طفلك مساحةً كافيةً؛ لتشكيل العلاقات على كافة المستويات، فلهذه العلاقات دورٌ كبيرٌ في تنميته وتربيته.[٢][٣]

3. العامل المادي

لا بد وأن المال أمرٌ مهمٌ جدًّا، لا سيما مع كثرة متطلبات الحياة في هذا الزمن على الرغم من قلة الموارد والدخل، مما يقسم المجتمع إلى عدة مستويات، يختلف بينها الأطفال في احتياجاتهم وإمكانية حصولهم عليها، لذا ستجد بأن للفقر آثارًا سلبيةً على صحة الأطفال ونموهم الاجتماعي والعاطفي والمعرفي والسلوكي، وعلى نتائجهم التعليمية، ومن المؤكد أن هذا يعني تأثير الفقر سلبًا على الطفل؛ كونه يفرض ضغوطًا إضافية على الأهل والأطفال على حد سواء، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية لدى الأطفال، وشعور بالنقص، وعدم الاكتفاء، كما يمكن أن تؤدي المشكلات المالية إلى مشكلات تربوية خطيرة، كالإدمان سعيًا للهروب من الواقع.[٤]


4. العامل الديني

يؤثر العامل الديني في تربية الطفل وسلوكه وتطوره العقلي والنفسي، إذ يتعرض الأطفال الذين ينتمون إلى أديان مختلفة لتجارب مختلفة؛ نتيجةً لاختلاف وتنوع العادات والقواعد ما بين الأديان، وبحكم قواعد الدين ستجد أن تربية الطفل وسلوكه واهتماماته مختلفة، مما سيغير ردة فعله على الأشياء من حوله، وكيفية تعاطيه مع الآخرين، ومواجهته للعقبات، فالطفل الذي نشأ في عائلة متدينة ستجده أنضج نفسيًّا وأكثر استقرارًا من الطفل الذي نشأ في عائلة غير متدينة أو حتى ملحدة، فالتربية الدينية ستجعل من الطفل يفكر بشكل أكثر إيجابية فيما يحدث حوله، وستجعله متقبلًا أكثر للعقبات وكذلك للآخرين باختلافاتهم وبمشكلاتهم، وستجعله أكثر قربًا من الناس، وأكثر إحساسًا بهم.[٥]


على العكس من الطفل الذي ينشأ في بيت بعيد عن التدين، ستجده يفتقد للسلام الداخلي، ويشعر بالسخط على حظه وعلى حياته؛ وذلك لأنه يرى الكون مجرد عالم مادي، يسعى فيه للكسب والإنجاز فقط، وبخسارة أي شيء فيه لن يشعر بالرضا، على العكس من الطفل الذي يؤمن بأن كل شيء يحدث سيكون خيرًا له، وبأنه سيجد العوض في أمرٍ لاحق، لربما ستجد بعض الدراسات التي تحاول أن تثبت أن الطفل غير المتدين أكثر ذكاءً وإنجازًا، لكن يجب أن تتذكر الجانب الروحي والنفسي، الذي يدفع الإنسان إلى تقبل الخسارة والفشل مما يجعله أقوى؛ ليحاول مجددًا، فستجد بأن الدين سيؤثر بشكلٍ كبير في تربية ابنك، وبتعاطيه مع الحياة والآخرين.[٥]


5. عامل البيئة المدرسية

صحيحٌ أن المسؤولية الأولى التي تقع على المدرسة تجاه طلابها هي مسؤولية أكاديمية تعليمية، إلا أن مسؤوليتها تمتد إلى التربية، ولهذا السبب تتبع المدارس لوزارة التربية والتعليم، فالهدف هو إخراج جيل على مستوى عالٍ من الأخلاق والأمانة والتعاون والعلم، فلا بد للطفل من أن يتأثر بالطريقة التي يتفاعل بها المعلمون معه، وبالطريقة التي يشجعونه بها على التفاعل مع بقية الأطفال، مما يؤثر في سلوكه ونموه وتربيته، لذا يجب أن تركز المدرسة منذ البداية على مساعدة الأطفال على تعلم التعاطف والاحترام والتقدير والنزاهة، وذلك عن طريق الأنشطة الاجتماعية والعمل بروح الفريق، كتنظيم حملات لتنظيف المساجد والشوارع والحدائق، وكذلك المشاركة في الحصص عن طريق رفع اليد فقط، فهذا سيعلمه أن يحترم الآخرين ويقدر جهودهم، كما سيجعله متقربًا منهم أكثر، وسيجعله يفهم نفسه ورغباته وطبيعته أكثر.[٦]


6. عامل الصداقات

من المعروف للجميع بأن الأصدقاء يشكلون مؤثراتٍ محورية في تربية وسلوكات بعضهم، وهذا التأثير يمكن أن يكون إيجابيًّا أو سلبيًّا، كالتأثير على التحصيل العلمي والأداء المدرسي للطفل، وقد يشجعون بعضهم على السلوكيات المنحرفة أو يثبطونها؛ كالانحراف والتعاطي، وبالمقارنة ما بين الأطفال كثيري الأصدقاء سواء أكانوا جيدين أم لا، والأطفال الذين يحتاجون إلى الأصدقاء، سنجد أن الأطفال الذين لديهم أصدقاء جيدون يتمتعون بتقدير أكبر لذاتهم، وأكثر حكمةً في التعامل مع الآخرين ومراعاةً لهم، فهو يشعر بهم ويعرف مشكلاتهم.[٧]


المراجع

  1. "the-role-of-family-in-child-development", all4kids. Edited.
  2. "Relationships and child development", raisingchildren. Edited.
  3. "Marital relationship, parenting practices, and social skills development in preschool children", ncbi. Edited.
  4. "Child poverty overview", healthscotland. Edited.
  5. ^ أ ب "How Does Religion Impact Child Development?", psychcentral. Edited.
  6. "The School's Role in Influencing Child Development", mom. Edited.
  7. "EARLY FRIENDSHIPS PROFOUNDLY AFFECTS CHILD'S DEVELOPMENT", hvparent. Edited.