إنّ تربية الأطفال من أكثر المواضيع التي حازت على اهتمام علماء النفس والتربية وعلم الاجتماع؛ وذلك لآثارها على نمو الأطفال وبناء قدراتهم ومهاراتهم واكتساب القيم والعادات والتوافق مع المجتمع، لذا فإنّ عددًا كبيرًا من الدراسات والبحوث اهتم بمعالجة أهم المبادئ والأسس الصحيحة التي تحقق التربية السليمة الصحيحة ذات الفاعلية، والتي من الممكن أن تقدّم قيمة مضافة للأبناء وأسرهم، وعلى الرغم من أن الأبوة والأمومة الإيجابية تعدّ من العناصر الهامة في التربية، إلا أنّ الباحثين أكدوا على أنه لا يوجد أب مثالي أو أم مثالية؛ فالمشكلات والأخطاء لا بد أن تحدث، لكن الالتزام بالمبادئ الأساسية للتربية سيكون دليلًا خاصًّا يساعد الوالدين في واجبهم التربوي، وذلك من خلال اتباع طرق وأسس علمية توجههم لمساعدة أطفالهم من أجل مزيد من الاستقلالية والثقة بالنفس، بالإضافة إلى تعليمهم أهمية القوانين والحدود في عملية التنظيم وتحقيق الأهداف في حياتهم.[١]
مفهوم التربية الفعّالة وأهميتها
إن التربية الصحيحة ذات القيمة الإيجابية تحقق الانضباط وتحدّ من السلوكيات السلبية، وتنظّم العلاقة ما بين الأطفال والآباء، وهي طريقة للتواصل والتعليم والتدريب، ومن خلالها يكتسب الأطفال منظومتهم القيمية والأخلاقية، لذا فهي ذات أهمية كبيرة لتكوين أسرة ومجتمع سوي، كما أنّ التربية السليمة تتطلب مبادئ توجيهية حتى تكون مبنية على قواعد رصينة وثابتة وعلمية، إذ إنّ العديد من أنشطة الوالدين والطفل تحتاج إلى تنظيم وتحديد بشكل علمي واضح حتى تحقق دورها في غرس القيم الإيجابية لدى الأطفال، وبناء هويتهم الشخصية القوية.
وللتربية الفعّالة قيمة مرتفعة في دعم الأطفال ومساندتهم للتعامل مع التحديات والمشكلات التي تواجههم، والتعامل الإيجابي مع المواقف الصعبة، كما أنّها تساعدهم على تحقيق متطلبات المراحل النمائية بنجاح؛ فالتربية من أهم الوظائف التي يؤديها الوالدان، إذ إنها تصنع فردًا صالحًا منتجًا، ذا قيمة وأثر عظيمين في المجتمع.[٢]
المبادئ الأساسية لتربية الأطفال
إن الأسرة تحتاج إلى مجموعة من المبادئ التي توجهها وتساعدها في أداء الواجب التربوي مع الأطفال، وتلك المبادئ تعد أساسًا علميًّا في توجيه الأسرة خلال رعايتهم لأطفالهم، ويمكن تحديد تلك المبادئ كما يلي:[١][٣]
1. الاحترام والتقدير
يحتاج الأطفال إلى أن يعاملوا بطريقة تقدس التقدير والاحترام والحب؛ فقد أكّدت الأبحاث على أنّ المحبة والتقدير والاحترام التي يحصل عليها الأطفال تعزز لديهم الذاكرة والتعّلم، بالإضافة إلى أنّها تقوي لديهم الاستجابة للتوتر والقلق، كما أنّ أفضل طريقة للحصول على معاملة محترمة من طفلك هي معاملته باحترام؛ وذلك بالتحدّث معه بهدوء، واحترام رأيه، والانتباه إليه عندما يتحدث، ومعاملته بلطف، إذ إنّ علاقتك بطفلك هي أساس علاقاته مع الآخرين.
2. بناء البيئة الآمنة
إنّ بناء بيئة عاطفية ومادية ونفسية آمنة للطفل من أهم المبادئ الأساسية في التربية، فالدراسات تشير إلى أنّ الأسر التي تفشل في بناء وتطوير علاقة ارتباط آمنة مع أطفالها في السنوات الأولى، غالبًا ما يعاني أطفالها من مشكلات سلوكية وانفعالية ونفسية ومشكلات في العلاقات في وقت لاحق من حياتهم.
3. التعامل الاستباقي مع المشكلات
إنّ الاستجابات الوقائية للآباء تعزز من مستوى العلاقة الارتباطية ما بينهم وبين أطفالهم، فهي تعني امتلاك الوالدين لمهارات ومعرفة علمية تزوّدهم بالقدرة على التعامل مع المشكلات قبل حدوثها؛ وذلك من خلال التنبّه لعلامات ظهور المشكلة والتصدي لها قبل تطورها لدى أطفالهم.
4. التوازن في نمط التربية ما بين الشدّة واللين
يجب أن تعتمد التربية على التوازن ما بين الدلال والحزم؛ فالأسرة التي تبالغ في الدلال، أو تعامل طفلها بحزم شديد ومبالغ فيه، قد يكون تعاملها سببًا رئيسيًّا لنشوء أنماط شخصية سلبية لدى الأطفال.
5. المشاركة والتواصل المستمر
لا بد على الوالدين أن يكونا حاضرين عقليًّا وجسديًّا مع أطفالهم، فالمسافات القريبة ما بين الآباء والأطفال تقلل من الفجوة وترفع من مستوى الارتباط والثقة فيما بينهم، وبالتالي شعور الأطفال بمساحة من الراحة والطمأنينة والأمان النفسي والعاطفي، كما أنّ مشاركة الآباء لأطفالهم في أنشطتهم المتنوعة ترفع من مستوى الدافعية والنشاط والعمل، وذلك يشبع المجال العاطفي والانفعالي لدى الأطفال.
6. الانضباط والنظام وتطبيق التعليمات
إنّ وضع القواعد والتعليمات وتنظيمها داخل الأسرة، وتعليم الأطفال احترام تلك التعليمات والقواعد، يعد أمرًا ذا أهمية كبيرة، وهو يحقق مبدأ الالتزام والتنظيم للأطفال، ويرشدهم لأهمية وجود نظام يحدد سلوكنا وانفعالاتنا.
7. التشجيع والكلام الطيب
يؤدي الأطفال أعمالًا وأنشطة إيجابية عندما ينالون الاستحسان والرضا من الأشخاص المحيطين بهم، لذا يجب التنبّه والتركيز على تعزيز السلوكيات الإيجابية فقط، إذ إن ذلك يعزز قدرة الطفل على ضبط النفس، ويشجعه على الاستقلالية وتنمية الشعور بالتوجيه الذاتي، ومن الضروري أن يدفع الوالدان أطفالهم من أجل الاستقلال الذاتي الذي يعد مفتاحًا ضروريًّا للتربية الفعّالة.
8. تجنّب العقاب والاعتماد على شرح العواقب
إنّ الأطفال الذين يتعرضون للعقاب البدني يصبحون أكثر تمردًا، وإن أسوأ الآثار الجانبية يكون سببها العقاب البدني، فآثارها السلبية تفوق الإيجابية بكثير، لذا فهؤلاء الأطفال يصبحون أكثر ميلًا للعدوانية مع الأطفال الآخرين، ومن المرجح أن يكونوا متنمرين وأكثر عرضة لاستخدام العدوان لحلّ النزاعات مع الآخرين، لذا يفضّل استخدام شرح عواقب السلوك للأطفال والاعتماد على أساليب عقاب معتدلة غير مؤذية وتحقق الهدف وهو تعديل السلوك.
9. فهم عالم الطفل واحتياجاته
يمرّ الطفل بمراحل نمو متنوعة ولكل مرحلة متطلباتها واحتياجاتها، وتلك الاحتياجات ترتبط بالظروف البيئية وتغييراتها، لذا لا بد للوالدين من مواكبة التطورات المعرفية والمهارية في عالم الطفل، والاستفادة من خبرات الآخرين، وسؤال المتخصصين والخبراء وأصحاب المجال عند الحاجة.
10. إدراك أهمية التربية وإعطاؤها الأولوية
لا بد للوالدين من أن يدركا أنّ العمل ووظيفة التربية التي يؤدونها من خلال العناية بأطفالهم وتربيتهم والاهتمام بهم أمر مهم جدّاً، ولا بد أن تكون ضمن أولوياتهم، كما يجب تخصيص وقت كافٍ لها، فمهارات مثل: الإصغاء والاحترام والتفهّم والتقبّل تعد ضرورية في التعامل مع الأطفال.
إضاءة
إنّ التربية الجيدة هي الأبوة والأمومة التي تعزز التكيف النفسي لدى الأطفال، وتساعد في بناء قيم إيجابية لديهم كالصدق والتعاطف والاعتماد على الذات واللطف والتعاون وضبط النفس، وبالتالي تساعد الأطفال على النجاح والتفوّق في المدرسة، والتربية الصحيحة والإيجابية كذلك تساعد الأطفال على تنمية تفكيرهم وتطوير مهاراتهم، وترفع مستوى الدافعية للتعلم والرغبة في الإنجاز، ومن ناحية أخرى فالتربية التي ترتكز على مبادئ وأسس علمية واضحة تؤدي واجبًا وقائيًّا؛ فهي تحدّ من الأنماط السلوكية السلبية لدى الأطفال كالسلوك العدواني، والانحراف، بالإضافة إلى أنّ التربية الجيدة تحقق النمو الصحّي السليم للطفل.[١]
المراجع
- ^ أ ب ت "Ten Basic Principles of Good Parenting: Science of Raising Children", www.newswise.com. Edited.
- ↑ "10 Commandments of Good Parenting", :www.webmd.com. Edited.
- ↑ "The Five Principles of Positive Parenting", www.parentingchaos.com. Edited.