يعد مفهوم الشخصية من المفاهيم التي ترتبط بالسمات والخصائص الفطرية، إلى جانب الخصائص المكتسبة التي يحصل عليها الإنسان خلال حياته، ومن الضروري الإشارة إلى أن ملامح تلك الشخصية ومؤشراتها تبدأ بالظهور منذ ميلاد الطفل، وإن تلك الخصائص والسمات التي تحدد شخصية ذلك الطفل تستمر معه خلال مراحل نموه المختلفة؛ لذا فإن للشخصية والعوامل المؤثرة فيها لدى الطفل أهمية خاصة، إذ إن الشخصية تحدد تفكير الفرد ومشاعره وسلوكه بنسبة كبيرة، وتعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل الواجب الاهتمام بها في بناء شخصية الطفل، ويكون أصل ذلك الاهتمام هو التعرف على العوامل الرئيسية التي تلعب دورًا في تشكيل شخصية الطفل، والحرص على تهيئة الظروف الصحيّة والبيئة المناسبة بهدف مساعدة الطفل على تكوين شخصية قوية إيجابية، وقد أشار علماء النفس والسلوك والطفولة إلى أهم تلك العوامل التي تؤثر في تشكيل شخصية الطفل خلال مراحل نموهم، وتؤثر في حياتهم.[١]





العوامل المؤثرة في شخصية الطفل

رغم تباين الآراء حول أهمية الجانب الوراثي (الجيني) في تشكيل شخصية الطفل، إلاّ أنّ علماء النفس أكدوا على الجانب البيئي بجميع عناصره المادية والبشرية، ولكل مبرراته، ولكن ما اتفقوا عليه هو أنّ شخصية الطفل تتأثر بالجانبين معًا، وبنسب ومستويات مختلفة، وفيما يأتي عرض لتلك العوامل:


1. العوامل الوراثية (الجينية)

لقد أكّد العلماء على الدور الوراثي في شخصية الطفل، خصوصًا فيما يتعلق ببعض سمات الشخصية التي قد تبرز كحالات أو اضطرابات، إذ إنّ أي خلل في الكروموسومات ينعكس على بعض سمات الفرد وخصائصه؛ كفرط الحركة والاندفاعية (ADHA)، فالعوامل الوراثية تحدد بعض الخصائص الجسدية كالشكل الخارجي للجسم؛ من الطول ولون البشرة وشكل العيون ولونها وغيرها من التفاصيل الجسدية، والتي تؤثر بشكل غير مباشر على المزاجية والسلوك، إذ إن الأجسام النحيلة جدًّا أو السمينة جدًّا قد تؤثر على الشخصيات لتصبح انعزالية على سبيل المثال، وذلك لعدم قدرة أصحابها على ممارسة بعض الأنشطة الرياضية والاجتماعية؛ بسبب خجلهم أو عدم قبولهم لأنفسهم، وهذا يقود إلى ضعف بالشخصية بشكل عام.[٢]


2. العوامل الوراثية (غير الجينية)

يتأثر الطفل وهو في رحم والدته بمجموعة من المؤثرات والتي تسبق خروجه للحياة، إذ إنه يتأثر بالعوامل البيئية الخارجية، ويمكن التعامل معها كعوامل وراثية لأن الطفل لا زال في رحم والدته، ويؤكد العلماء بأنّ النمط الغذائي ونمط الحياة الذي تتبعه الأم الحامل لا يؤثر عليها فقط بل يصل إلى الجنين أيضًا، فالحالة المزاجية والنفسية المتوترة على سبيل المثال قد تنعكس سلبًا على شخصية الطفل مستقبلًا، إضافة إلى أنّ أي اضطراب في إفرازات الغدد لدى الأم سيشكّل فرقًا ولو طفيفًا في شخصية الطفل، ناهيك عن الصحة الجسدية للأم فهي المصدر الأساسي لغذاء الطفل ونموه، وقد أشارت بعض الدراسات العلمية المتخصصة في مجالات علم الأحياء والوراثة إلى وجود علاقة ما بين مستوى تقبل الأم لجنينها وبعض السمات الشخصية التي قد تظهر عليه بعد الولادة، إذ يرتبط ذلك التقبّل أو الرفض ارتباطًا غير مباشر بالرعاية والاهتمام بذلك الطفل قبل الولادة وبعدها، وهذا يشمل الرعاية النفسية والجسدية للطفل، وغالبًا ما يتسبب عدم تقبل الجنين بخلق سمات شخصية تتسم بالانعزالية والقلق.[٢]


3. العوامل البيئية (المادية)

منذ خروج الطفل إلى الحياة يبدأ الأثر البيئي على نموه وتشكيل شخصيته، إذ يتأثر الطفل بالموقع الجغرافي الذي يشمل التضاريس والحرارة والرطوبة والبرودة، وحتى شكل البيت وحجمه وتفاصيله الداخلية تؤثر على مزاج الطفل ونمو شخصيته، ناهيك عن التفاعلات البشرية خلال مراحل نمو الطفل، فتلك المؤثرات المادية تتسع دوائرها مع نمو الطفل، إذ تنتقل من بيت الأسرة إلى دور الحضانة فالمدرسة والمدينة فالمجتمع الكبير، ناهيك عن أثر التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية التي بدأت بالحصول على الحصة الكبيرة في تشكيل شخصية الطفل ونموه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية الأسرة في عدم تعريض الأطفال للشاشات والأجهزة الإلكترونية في السنوات الأولى من حياتهم.[٣][٢]


4. العوامل البيئية (الاجتماعية)

تعد التنشئة الاجتماعية أحد أهم أساليب تعليم الطفل ومساعدته في تشكيل شخصيته، ومن أهم تلك المؤسسات التي تساهم في التنشئة الاجتماعية الأسرة، والتي تعد أحد أهم العوامل المؤثرة في تحديد خصائص شخصية الطفل ونموه، وعلى الرغم من التطور الكبير في التكنولوجيا وتعدد المؤسسات الاجتماعية في حياة الطفل، إلّا أنّ الأسرة هي مصدر الاحتضان الأول للطفل، وهي من تحدد كثيرًا من السمات الشخصية لذلك الطفل، من خلال التعليم وتنمية الصفات الإيجابية لدى الطفل، وتهذيب السمات السلبية، وهنا لا بد من الانتباه إلى جميع التفاعلات السلوكية داخل المنزل، إذ إنها تعد مصدرًا للتعلم ونمو الشخصية للطفل في مراحل نموه الأولى، وما بعد المؤسسة الأسرية تظهر المؤسسات التربوية والتعليمية، والتي تلعب دورًا كبيرًا خصوصًا وأنّها المؤسسة الأكبر ما بعد الأسرة، والتي تبدأ فيها العديد من السمات الشخصية للطفل بالثبات من خلال التفاعلات مع المعلمين والمعلمات والأقران والأصدقاء.[٣]


الأسرة وشخصية الطفل

تعّد الأسرة المؤسسة الأولى التي تحتضن الطفل، فمن خلالها يحصل الطفل على احتياجاته الأوليّة من رعاية جسدية ونفسية، وكل ما كانت تلك الأسرة بيئة آمنة للطفل انعكس ذلك على شخصية الطفل بشكل إيجابي، وكان ذلك سببًا في نمو شخصية قيادية إيجابية مستقلة، إذ إن مفهوم الاستقلالية والقيادة والروح الجماعية هي مفاهيم تلعب الأسرة دورًا كبيرًا في مساعدة الطفل على اكتسابها عند تكوين شخصيته.[٣]


المدرسة وشخصية الطفل

من خلال البرامج والأنشطة التي تنظمها المدرسة فإنها تدعم الدافعية لدى الأطفال وتعززها، إذ إن البيئة المدرسية الآمنة تدعم شخصية الطفل، وقد تخرج أفضل ما لديه من مهارات شخصية قد تكون غير ظاهرة؛ فالمدرسة هي من تساعد الطفل على اكتشاف تلك السمات وتوظيفها في بناء شخصيته وتحسين سلوكه وأفكاره، كما أنها تضع أمامه البيئة السليمة للإنجاز الأكاديمي والاجتماعي من خلال ما يكتسبه الطفل داخل المدرسة من مهارات علمية وعملية، كما أن المهارات الاجتماعية العاطفية قد تساعد الطفل مستقبلًا على التعامل مع التحديات الأكاديمية والمشكلات التي تواجهه داخل البيئة المدرسية وخارجها.[١]


التكنولوجيا وشخصية الطفل

بسبب الأهمية الكبيرة لمجال التكنولوجيا في الوقت الحاضر، بدأ علماء النفس والتربية بإعداد الدراسات، والبحث عن الوسائل الأفضل لتوظيف تلك التكنولوجيا في صقل شخصية الطفل، وتمكينه من مهارات تساعده في حياته المستقبلية خلال مراحل نموه؛ فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين تحتاج من الأسر متابعة متواصلة لأطفالهم، خصوصًا في ظل زيادة التطور التكنولوجي ودخوله في المجال المعرفي والمادي، ومن الضروري إدراك أنّ الطفل قادر على استيعاب تلك التكنولوجيا وتنظيمها بما يخدم احتياجاته ويحقق ذاته بصورة إيجابية مقبولة داخل المجتمع، في حال الاستخدام الصحيح والمناسب للوسائل التكنولوجية.[١]


خاتمة

من خلال ما أشرنا إليه، نرى أن الطفل يتأثر بمجموعة مختلفة من العوامل، والتي تساهم معًا في تشكيل شخصية الطفل ونموه، وتبدأ تلك التأثيرات منذ وجوده في رحم والدته، وتستمر بعد خروجه للحياة، ومهما تباينت آراء العلماء في تفسير تلك العوامل وأهميتها، إلّا أنّ الطفل يتأثر بالمجال الوراثي (الجيني) والذي يحدد كثيرًا من صفاته الجسدية التي تؤثر على مزاجه وسلوكه مستقبلًا، بالإضافة إلى تأثر الطفل بنمط حياة الأم، والذي يلعب دورًا في نمو الطفل وسماته الجسدية والشخصية، وبعد ولادته تظهر العوامل البيئية (المادية والاجتماعية) كعامل أساسي في تشكيل شخصية الطفل ونموهها.[١]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث "personality Development", medium. Edited.
  2. ^ أ ب ت "Factors Affecting the Personality of a Child", psychology discussion. Edited.
  3. ^ أ ب ت "Basic Factors That Affect Personality Development in Children", aptparenting. Edited.