تربية الطفل على الاعتماد على نفسه

إنّ الاعتماد على النفس من أهم المهارات التي على الأهل الحرص على تعليمها للطفل، لما لها من تأثيرٍ إيجابي لا يقتصر على مرحلة الطفولة فحسب، بل يمتد تأثيرها أيضًا إلى المراحل الأخرى من حياته، فالطفل الذي يجيد الاعتماد على نفسه يتسم بصفة الانضباط، والالتزام في إكمال مهامه، ويكون قادرًا على التصرف واتخاذ القرارات المناسبة في المواقف التي تتطلب ذلك، وللأهل دورٌ أساسي في تعليم أطفالهم الاعتماد على النفس،^[١] وفي العناوين التالية استعراضٌ لعددٍ من الأمور التي يمكن أن تساعدهم في تحقيق ذلك، وباتباع الأساليب التربوية السليمة:^[٢][٣]

منح الطفل الحرية لخوض التجارب دون تحكم

لا شكّ أنّ دور الأهل في حياة الطفل توجيهي؛ بمعنى أنهم يرشدون طفلهم لكل ما هو صحيح وآمن، ولكن في بعض الأحيان، قد يبالغ الأهل في توجيههم لطفلهم، ليصلوا إلى مرحلة القيام بأمورهِ الخاصة بدلاً منه، أو فرض اختياراتهم عليه، لاعتقادهم أنها الأنسب له، ولهذا الأمر انعكاساتٌ سلبية على شخصية الطفل في المقام الأول، وعلى مدى قدرته على الاعتماد على نفسه، ولهذا على الأهل في بعض الأوقات السماح للطفل بالقيام بأمورهِ الخاصة، بما يتناسب مع عمره وقدراته، بمفرده، دون تدخلٍ لا داعٍ له من طرفهم، كما عليهم أن يسمحوا للطفل بارتكاب بعض الأخطاء، غير الخطرة، والتي تعلمه كيفية التصرف في المواقف، والفرق بين ما هو صحيح وخاطئ، بالإضافة لتعليمه دروسًا عن الحياة الواقعية، يدرك فيها أنّه لا يستطيع دائمًا الحصول على الأشياء التي يرغب بها.

السماح للطفل بتحمل المسؤولية

هناك من الأهل من يظن أنّ السماح للطفل بتحمل المسؤولية، والقيام بالمهام في هذه المرحلة العمرية المبكرة، من الأمور الخاطئة التي يجب تجنبها، رغم أنّ الأبحاث والدراسات قد أثبتت العكس تمامًا؛ فعندما يقوم الأهل بتعليم الطفل تحمل المسؤولية من خلال السماح له بالقيام بالأعمال المنزلية البسيطة مثلاً، أو إنجاز المهام الصغيرة، فإن هذا يتيح له الفرصة للشعور بالإنجاز عندما يُتم عمله، مما يعزز ثقته بنفسه، وثقته بقدرته على الاعتماد على نفسه، ولا بدّ من التأكيد في هذا السياق أنّ على الأهل الحرص على اختيار مهام بسيطة لأطفالهم الصغار، وعدم الدفع بهم للقيام بالمهام الصعبة التي تسبب لهم الارتباك، ومن الأمثلة على المهام التي يمكن أن تعلم الطفل الاعتماد على النفس: ترتيب الألعاب، وترتيب أطباق المائدة، والاعتناء بالنباتات المنزلية وريها بالماء.^[٤]

وضع التوقعات الواقعية

إنّ من أساسيات تعليم الطفل الاعتماد على نفسه عدم التوقع منه القيام بالأمور بشكلٍ مثالي وكامل، وتوقع أنه سيتعلمها شيئًا فشيئًا ومع مرور الوقت، ولهذا على الأهل ألا يبالغوا في التوقعات التي يضعونها بخصوص مدى إتقان أطفالهم للمهام والواجبات التي يسمحون لهم بالقيام بها، وأن يركزوا على الجهد الذي بذلوه أكثر من النتيجة النهائية، فالطفل مهما كان شكل أدائه في المهام التي تعلمه تحمل المسؤولية، فإنه يتعلم منها مهاراتٍ جديدة في كل مرة، تعزز من ثقته بقدراته وثقته بنفسه، وتجدر الإشارة إلى أنّ تركيز الأهل على الجهد الذي يبذله طفلهم كي يعتمد على نفسه يعلمه الاعتماد على النفس، وتكرار المحاولة، حتى في المواقف الصعبة.^[٤]

اعتماد الامتنان لتعزيز سلوك الطفل

عندما يشكر الأهل الطفل على القيام بأمرٍ ما، ويثنون عليه، فإن هذا يجعله يدرك أنّ ما قام به أمرٌ جيد وإيجابي، ويعزز من ثقته بنفسه، بسبب تمكنه من نيل مدح وشكر أهله على ما قام به، وبشكلٍ عام، فإن امتنان الأهل وشكرهم الطفل عندما ينجح أو يحاول الاعتماد على نفسه يشجعه على تكرار هذا الفعل مرةً أخرى، والقيام به بصورة جيدة؛ الأمر الذي يُكسبه مهاراتٍ جديدة وخبرات في كل مرة، تجعله متقنًا للأمور بمرور الوقت.^[٤]

السماح للطفل باتخاذ بعض القرارات

صحيحٌ أن الأطفال، بحكم مرحلتهم العمرية، لا يعتبرون مؤهلين لاتخاذ القرارات الهامة والمفصلية في حياتهم، إلا أنّ هذا لا ينفي حقيقة وجود بعض القرارات البسيطة التي يستطيع الأطفال إبداء آرائهم بخصوصها، مثل تلك التي لها علاقة باختيار نوع الطعام، أو الفيلم الذي يرغبون بمشاهدته، أو الملابس التي يريدون ارتداءها، وحتى اللعبة التي يريدون اللعب بها، وعلى الرغم من البساطة الظاهرية لهذه الأشياء، إلا أنّ سماح الأهل لأطفالهم باتخاذ القرارات بخصوصها ينمي فيهم القدرة على الاعتماد على النفس، ويجعلهم يشعرون أنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم الخاصة وتحمل المسؤولية.