تعد مرحلة المراهقة من المراحل الحساسة في حياة الفرد؛ نظرًا للتغيرات الكبيرة التي تحدث خلالها، من تغيرات فسيولوجية ونفسية وانفعالية ومعرفية، لذا تحرص الأسرة على أن تكون في أقصى جاهزية ممكنة للتعامل مع الابن المراهق بشكل مريح وآمن حتى يتجاوز تلك المرحلة، وذلك من خلال توفير بيئة آمنة مشبعة بالعواطف والمعرفة الإيجابية، وتوسيع نطاق الإدراك لديه ومساعدته في بناء هويته الشخصية بشكل مقبول، إلّا أنّ تلك المرحلة النمائية لا تتعلق بالأسرة فقط، إذ توجد مجموعة من العوامل الأخرى التي تدخل في التأثير على مرحلة المراهقة، وإنّ التعرف عليها يعطي المربين فرصة للتعامل مع مرحلة المراهقة بشكل أفضل؛ وذلك من خلال التحكّم بتلك المؤثرات وتوظيفها لتحقيق نمو سليم للفرد، ومساعدته على تحقيق أهدافه الشخصية بشكل مقبول اجتماعيًّا.[١]


العوامل المؤثرة في مرحلة المراهقة

يمر المراهق بمجموعة من المؤثرات خلال مرحلة المراهقة، وتزيد تلك التأثيرات كلما خرج المراهق من بيته الصغير المتمثل بالأسرة نحو المجتمع الكبير، إذ إن مرحلة المراهقة تتأثر بالبيئة البشرية والمادية التي تحيط بالإنسان، فالأمر لا يتوقف على التنشئة الاجتماعية فقط، بل توجد مجموعة من العوامل المتداخلة التي تلعب دورًا في التأثير في مرحلة المراهقة وتطورها لدى الفرد، ومن تلك العوامل المؤثرة في مرحلة المراهقة ما يلي:[٢][٣][١]


1. التنشئة الأسرية

تلعب البيئة دورًا حاسمًا خلال مرحلة المراهقة، ويتمثّل ذلك من خلال عوامل التحفيز الجسدي والنفسي الذي يتلقاه الطفل داخل تلك البيئة، إذ تمثّل البيئة الأسرية أحد أهم العوامل المؤثرة في مرحلة المراهقة، ويتوجب على الأسرة في تلك المرحلة توفير بيئة آمنة يمكن من خلالها إشباع احتياجات المراهق الجسدية والنفسية والانفعالية، إذ من السهل إدراك أنّ المراهق الذي يحصل على تنشئة أسرية سليمة ومريحة ينشأ بشكل جيد، وإنّ الأسرة تعد البيئة الأولى التي يتفاعل معها المراهق، ولا يمكن إغفال تأثير العامل الوراثي على المراهقين ومرحلة المراهقة، إذ إنّ بعض السمات والخصائص الموروثة قد تبدأ آثارها بالظهور بشكل بارز في مرحلة المراهقة، خصوصًا خلال التفاعل مع الآخرين، فقد تظهر بعض سمات الانعزالية أو الخجل على سبيل المثال.


2. الفجوة ما بين الأجيال

تعد العلاقة ما بين جيل الأبناء والآباء من العوامل المؤثرة في حياة المراهقين، إذ إنّ اتساع تلك الفجوة يقلل من فرص النمو الآمن لمرحلة المراهقة، وإن المراهقين يتأثرون بمجموعة كبيرة من المثيرات خصوصًا مع التطور التكنولوجي الكبير، لذا فهم بحاجة إلى التوجيه والإرشاد من الآباء، فكلما كان الآباء أكثر قربًا من أبنائهم ساعدهم ذلك في الوصول إلى مرحلة نمائية مريحة وآمنة خلال مرحلة المراهقة، إذ إن المراهق وحده غير ناضج بما يكفي لتطوير شخصيته والتأكيد على آرائه أو مواقفه أو سلوكياته، وإنّ تجاهل مجتمع البالغين والوالدين لأفكار المراهقين وآرائهم يخلق صراعًا مستمرًّا ما بين الأجيال، مما يؤثر سلبًا على مرحلة المراهقة، ونظرًا إلى أنّ السلطة مرتبطة بجيل الآباء أو مجتمع البالغين فإنّ المراهقين بحاجة إلى جهد كبير لإبراز هويتهم الذاتية كما يريدونها بسبب الصراع والفجوة ما بين الأجيال.


3. العوامل المرتبطة بالنمو العاطفي والانفعالي

تتميز مرحلة المراهقة بحالة من عدم الاستقرار العاطفي والانفعالي؛ نتيجة للتغيرات الفسيولوجية والنفسية؛ لذا تعد العوامل المرتبطة بالمجال الانفعالي والعاطفي ذات أثر كبير خلال مرحلة المراهقة، فمن المهم السيطرة عليها وبناء حالة من الاتّزان الانفعالي لدى المراهق خلال مرحلة المراهقة، إذ تتميز مرحلة المراهقة بأعلى مستوى من النمو الانفعالي والعاطفي للفرد، وغالبًا ما يكون عدم الاستقرار الانفعالي سببًا لبعض المشكلات في مرحلة المراهقة.


4. العوامل المرتبطة بالمستقبل المهني

توجد مجموعة من الأفكار التي يبدأ المراهق بالتفكير بها وتؤثر في اختياراته كالاختيار المهني، إذ إنّ الهوية الشخصية تتطلب من الفرد أن يحدد المجال الذي سيكون عليه في المستقبل، مما يجعل تفكيره يتجه نحو مسار معين، كما أنّ اهتماماته تندرج تحت ذلك المسمى المهني الذي يتوقعه لنفسه، وذلك يؤثر في مرحلة المراهقة واختيارات المراهق وعلاقاته مع الآخرين، كما أنه يرتبط بشكل مباشر مع تشكيل البناء المعرفي والعقلي للفرد خلال مرحلة المراهقة، والتي تحدد بشكل كبير نمط تفكير الفرد وسلوكه العام والأكاديمي والمهني.


5. طرق وأساليب التعامل مع المراهق

تعد الأساليب والطرق التي يستخدمها الأهل والأشخاص المرتبطين بالمراهق من أهل وأقارب ومعلمين ومعلمات وأصدقاء بالغين ذات تأثير كبير على المراهق، إذ إن فترة المراهقة مرحلة حساسة جدًّا يكون فيها المراهق بمستوى استثارة مرتفعة لكل سلوك أو انفعال من الآخرين، لذا فإنّ التفهّم والتعاطف والتقدير والتقبّل والتعزيز والبقاء بالقرب من المراهقين، جميعها أساليب صحيّة للتعامل مع الفرد خلال مرحلة المراهقة،

وإنّ أسلوب التعامل مع المراهق يحدد رد فعله وسلوكه في المستقبل؛ فتعزيزه وتشجيعه والتفاعل مع نجاحاته ولو كانت بسيطة سيشعره بالبهجة الشديدة، ولكن في حالة الانتكاسات فقد يشعر بالاكتئاب الشديد عند عدم الصبر والتسامح مع سلوكه وتصرفاته، وقد يؤدي التعامل الصارم مع المراهق خلال مرحلة المراهقة إلى تشويه الحالة المزاجية له، فقد تنمو لدى المراهق حالة من التمرّد لاحقًا، لذا يجب التعامل مع المراهق بتوازن ووسطية فلا يكون الحزم شديدًا ولا الدلال زائدًا.


6. التعليم والبيئة المدرسية

إنّ المؤسسة التعليمية تأتي بالترتيب الثاني ما بعد الأسرة في التأثير على مرحلة المراهقة ونموها وتطورها، لكن تفاعل المراهقين معها يكون أكبر لأن المراهق يبدأ خلال البيئة المدرسية بإنشاء علاقات مع أقرانه من الجنسين، والتفاعل مع البيئة المدرسية بكافة عناصرها يؤثر كذلك على مرحلة المراهقة ونموها، فضلًا عن بيئته الاجتماعية وعلاقاته مع أسرته وأقرانه، فالبيئة مهمة بالنسبة للمراهقين؛ فالمدرسة الجيدة تعلّم المراهقين مهارات اجتماعية وشخصية لبناء شخصية قوية، من خلال الأنشطة الأكاديمية والأنشطة اللامنهجية، بالإضافة إلى أنّ البيئة المدرسية تهتم ببناء الفرد عقليًّا وفكريًّا وعاطفيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا لتحقيق نمو صحّي وسليم لمرحلة المراهقة، وكذلك الاهتمام بالأنشطة الرياضية داخل البيئة المدرسية، إذ إنّ الأنشطة البدنية مهمة في مرحلة المراهقة، فهي تساعد على بناء وتطوير جسم عضلي جيد للفرد، كما يمكن استثمار طاقاتهم بشكل مبدع فقد يتحول البعض إلى لاعبين بارزين ورياضيين متميزين.


7. البيئة المادية

ويقصد بها الظروف غير المرتبطة بالبشر، أي التضاريس وجغرافيا المكان وطبيعة البيئة والمنظومة القيمية والعادات داخل تلك البيئة، بالإضافة إلى مستوى التفاعلات داخل تلك البيئة، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والمادية، إذ إنّ تلك العناصر جميعها تلعب دورًا في مرحلة المراهقة من خلال منح المراهق فرصًا أكبر أو أقل للتفاعل مع البيئة والتعلّم ورفع مستوى مهاراته وخبراته وتوسيع مداركه ونمو عقله.


إضاءة

تعد العوامل المؤثرة في مرحلة المراهقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة للتربويين والأسرة والمتخصصين في مجالات التربية وعلم النفس، إذ إنّها توفر لهم قاعدة معرفية جيدة لتصميم البرامج والأنشطة الموجّهة للمراهقين، وكيفية التعامل مع الأفراد خلال مرحلة المراهقة، فالتنشئة الاجتماعية بشكل عام بالإضافة إلى البيئة المادية بجميع عناصرها الطبيعية تؤثر في مرحلة المراهقة، لذا من الضروري الاهتمام بها بهدف تحقيق نمو سليم وإيجابي للفرد خلال مرحلة المراهقة.[٢]


المراجع

  1. ^ أ ب "Factors That Affect the Growth and Development of Your Child", www.practo.com. Edited.
  2. ^ أ ب "Factors That Affect Growth and Development in Children", www.parenting.firstcry.com. Edited.
  3. "Top 7 Factors Affecting Period of Adolescence | Child Development", www.psychologydiscussion.net. Edited.