إن تكوين شخصية الفرد يبدأ في مراحل مبكرة من حياته، لذا فإنّ احتمالية حدوث الاضطرابات لدى شخصية الفرد تعتمد اعتمادًا كبيرًا على نمط التفاعلات الاجتماعية والذاتية خلال مرحلة الطفولة، وقد تظهر على الطفل بعض المؤشرات التي تدل على وجود اضطراب أو مشكلة ما؛ كرفض التعامل مع الآخرين، أو تجنّب كثير من المسؤوليات المطلوبة، وقد لا يكون الخجل فقط هو سبب ذلك، وعلى الرغم من أن تشخيص اضطراب الشخصية التجنبية لا يمكن إجراؤه إلا بعد سن البلوغ، إلاّ أنّ العديد من الأعراض قد تظهر في مرحلة الطفولة، إذ يمرّ معظم الأطفال في مراحل يكونون فيها خجولين أو يفضلون التعامل مع الأشخاص الذين يعرفونهم مسبقًا بدلًا من مقابلة أشخاص جدد، ومما يزيد من احتمالية حدوث ذلك الاضطراب وجود خلل في بناء الثقة التطوري الطبيعي طوال سنوات التكوين لدى الطفل، مما يهيئ لظهور نمط شخصية تجنبية في المستقبل.[١]


مفهوم الشخصية التجنبية

إنّ الشخصية التجنبية نمط من السلوك المرتبط بمجموعة من المؤشرات كالتثبيط الاجتماعي، ومشاعر عدم الثقة وعدم الكفاءة والقدرة، بالإضافة إلى الحساسية تجاه الرفض أو الخوف من الرفض، كما يتسم هذا النمط من الشخصيات بالخجل الشديد والحساسية تجاه النقد من الآخرين، وقد يصاحب ذلك بعض من مشاعر القلق والخوف والتي تعد شعورًا مؤلمًا للفرد، وعلى الرغم من أنّ نمط الشخصية التجنبية قد يظهر لدى الأطفال بشكل بسيط دون آثار جانبية سلبية، إلّا أنّ خطورة الأمر تأتي مستقبلًا في حال استمرار ذلك النمط من الشخصية الذي يصبح اضطرابًا ويمكن أن يسبب أعراضًا نفسية تخلق مشكلات خطيرة في العلاقات والعمل والحياة الاجتماعية.[٢]


أعراض اضطراب الشخصية التجنبية

تظهر على الأطفال المصابين باضطراب الشخصية التجنبية مجموعة من الأعراض التي تدل على إصابتهم بهذا الاضطراب، وفيما يلي عرض لأهم تلك الأعراض:[٣]

  1. الرغبة في العزلة التامة عن الآخرين.
  2. تجنّب المشاركة في النشاطات الاجتماعية في المدرسة والبيت.
  3. فقدان الثقة بالنفس واحترام الذات وتقديرها.
  4. صعوبة التعبير عن الأفكار والذات ومكونات الشخصية.
  5. تقلص كبير في شبكة العلاقات الاجتماعية، وعدم القدرة على الدخول بأي نقاش جماعي.
  6. تجنّب الاشتراك في الأنشطة التي تنطوي على اتصال شخصي بسبب الخوف من النقد أو الرفض.
  7. عدم الرغبة في التفاعل مع الآخرين ما لم يتأكد الشخص من أنه سيحصل على استجابة إيجابية.
  8. التردد في الدخول بعلاقة عاطفية بسبب الخجل.
  9. الانشغال بالنقد في المواقف الاجتماعية.
  10. الشعور بالإحباط في المواقف الاجتماعية الجديدة.
  11. النظر إلى الذات نظرة دونية.
  12. الإحجام عن المخاطرة أو الانخراط في أنشطة قد تسبب الإحراج.


أسباب نشوء الشخصية التجنبية

توجد مجموعة من العوامل التي قد تكون سببًا في نشوء نمط الشخصية التجنبية، وفيما يأتي عرض لأهمها:[٢]


العوامل الوراثية

يعتقد الباحثون أن أي مشكلة جسدية تظهر لدى الطفل قد تكون سببًا في تطور انعزاله وتجنبّه للآخرين نتيجة لظهور بعض التشوهات الجسدية عليه، مما يساهم في ابتعاده عن الآخرين وانعزاله، بالإضافة إلى وجود تلك السمة لأحد أفراد الأسرة سابقًا، كما أن الجينات الوراثية لدى الوالدين لها دور في نشوء نمط الشخصية التجنبية.


العوامل البيئية

إنّ خبرات الطفولة المبكرة مرتبطة بنمط الشخصية التجنبية، فالأبحاث تشير إلى أن الأطفال الذين يفتقرون إلى المودة والتشجيع، والذين يتعرضون للرفض من أسرهم قد يكونون أكثر عرضةً لنشوء اضطراب الشخصية التجنبية، وكذلك الحال بالنسبة للأطفال الذين يتعرضون للإساءة والإهمال ومستوى رعاية أقل، إذ إن الإساءة العاطفية أو النقد أو السخرية أو قلة المودة أو قلة الرعاية من أحد الوالدين أو مقدم الرعاية في الطفولة قد تؤدي إلى تطور اضطراب الشخصية هذا في حال وجود عوامل أخرى أيضًا، فقد يتجنب الأطفال الاختلاط بالآخرين كاستراتيجية للتكيف النفسي، وقد يشكل الرفض من الأقران عامل خطر، وغالبًا ما يكون الأفراد المصابون بهذا الاضطراب خجولين جدًّا مثل الأطفال، إذ إنهم لا يتغلبون على هذا الخجل مع تقدمهم في العمر، ومن الضروري الإشارة إلى أن نمط المعاملة الوالدية يلعب دورًا كبيرًا في نمط الشخصية التجنبية لدى الأطفال، وقد يكون سبب نشوء نمط الشخصية التجنبية هو خليط ما بين العوامل الوراثية والبيئية معًا.


البيئة الأسرية والطفل ذو الشخصية التجنبية

قد تلعب المعاملة الوالدية والأسرة دور كبير في نشوء نمط الشخصية التجنبية لدى الأطفال، ذلك النمط الذي يصبح اضطرابًا في مراحل متقدمة من حياة الطفل، لذا لا بد للأسرة من أن تؤدي مجموعة من الواجبات لخلق مساحة آمنة ودافئة للطفل، ومساعدة الطفل على بناء علاقات قوية، إذ يمكن أن يكون العلاج الأسري مفيد جدًّا في المراحل المبكرة من الاضطراب، ويتمثل هذا الدعم بتوفير المساندة الأسرية ومساعدة الطفل من مراحل مبكرة لفهم المحيط الاجتماعي وتعليمه مهارات بناء الشخصية القوية والاجتماعية، وإن الأسرة التي تسخر من الطفل وتلقي اللوم عليه ولا تقدره ولا تقدم له المودة والحب والتعاطف، تكون هي السبب في نشوء شخصية تجنبية لدى ذلك الطفل.[٤]


نصائح للتعامل مع الطفل ذي الشخصية التجنبية

فيما يأتي عرض لأهم النصائح التي تساعد في التعامل مع الطفل ذي الشخصية التجنبية:[٣]

  • لا تجبرهم على مواجهتك: إنّ الشخصية المتجنّبة تواجه العديد من التحديات العاطفية والإدراكية والمعرفية التي تجعل العلاقات مع الآخرين صعبة للغاية بالنسبة لهم، لذلك فإنّ إجبار الطفل على سلوك معين لا يمكنه فعله لن يكون نافعًا، وقد يؤدي إلى مزيد من الخجل والانطواء والانعزالية لدى الطفل.
  • قدّم لهم التوجيهات والإرشادات في الوقت المناسب: فقد يحتاج بعض الأطفال إلى فهم كيفية تأثير سلوكياتهم واحتياجاتهم العاطفية عليك وعليهم والبيئة من حولهم.
  • تعامل مع الأمور بلطف ولباقة: في بعض الأحيان يكون من الضروري إجراء محادثة صريحة مع الطفل، ولكن يجب أن تراعي مشاعر الطفل وأفكاره وتتفهم قلقه وخوفه، وبالتالي فلا بد أن تعبر عن مخاوفك وملاحظاتك وقلقك بطريقة لبقة ومريحة للطفل، بما يضمن أن يبقى الطفل متصلًا معك بشكل مريح.
  • تحكّم في مشاعرك وانفعالاتك في تعاملك مع الطفل التجنبي: في بعض الأحيان تمثل محاولة التعامل مع الطفل المتجنب تحديًا لدى الوالدين، إذ إن هؤلاء الأطفال حساسون لأي أمر تفعله وأي شيء تقوله، وهذا يزيد من فرصة حدوث سوء الفهم، فقد يفهمون أن هذا السلوك أو ذلك التوجيه هجوم على شخصيتهم أو قدراتهم، وعندما يحدث هذا ضع في اعتبارك أنك ربما لست المشكلة ولكن الطفل يؤدي مهات دفاعية بسبب أعراض نمط شخصيته التجنبية، وإذا كنت تضع هذا في الاعتبار فيمكنك على الأقل محاولة التحكم في مشاعرك استجابةً لدفاعاتهم، لأنك لا تريد أن تفقد تواصلك مع الطفل وثقته فيك، وكي لا تزيد المشكلة أكثر.

المراجع

  1. "Avoidant Personality Disorder", www.psy-ed.com. Edited.
  2. ^ أ ب "What Is Avoidant Personality Disorder (AVPD)", www.verywellmind.com. Edited.
  3. ^ أ ب "Understanding The Avoidant Personality: 6 Ways to Cope", www.psychcentral.com. Edited.
  4. "What Is Avoidant Personality Disorder (AVPD) ", www.verywellmind.com. Edited.