العقد النفسية عند المراهقين

تعد مرحلة المراهقة من أصعب المراحل التي يمكن أن يمر بها الإنسان في حياته، ويمكننا تعريف المراهقة على أنها الفترة الانتقالية من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ، أي إنها المرحلة التي ينتقل فيها الطفل من مرحلة قلة النضج والوعي، وعدم تحمل المسؤولية، إلى فترة يُطلب منه فيها أن يصبح ناضجًا وقادرًا على تحمل المسؤولية، حينها يبدأ المراهق بإخفاء رغباته الطفولية، وسيبدأ بالتفكير بنفسه كشخص بالغ يسعى إلى الاستقلالية، وإلى إنشاء عالمه الخاص، وذلك عن طريق إقامته للعلاقات مع الآخرين، لا سيما مع الجنس الآخر، ويبدأ باتخاذ القرارات دون الرجوع إلى والديه، ويشعر بضرورة فرض شخصيته على الجميع، مما قد يؤدي إلى العديد من الصراعات الداخلية، نتيجةً للتغيرات السلوكية المفاجئة والمتمردة على عادات الأهل وقوانينهم، وحينها تبدأ علاقاته العائلية بالتدهور.^[١]

ما هي المشكلات النفسية التي تواجه المراهقين؟

سيواجه المراهقون مرحلة صعبةً، قد تتسبب لهم بتجربة الكثير من العقد والأزمات النفسية، وفيما يأتي عرض لأبرزها:

1. التغيرات الجسدية

في مرحلة المراهقة لا بد للهرمونات من التأثير على ابنك المراهق جسديًّا، مما قد يتسبب له بمشكلات نفسية، كشعوره بالخجل من التغيرات الطبيعية التي تحدث في جسمه، كتغير حجم الثديين لدى الفتيات، وظهور حب الشباب، وتغير رائحة التعرق، ونمو الشعر الغزير غير المرغوب به لدى الجنسين، وعدم نمو شعر الوجه للذكور، ولا سيما التغيرات في مرحلة بدء الدورة الشهرية للفتيات، إذ يحاول معظم المراهقين إخفاء هذه التغيرات؛ نتيجةً لعدم فهمهم لطبيعة أجسادهم في هذه المرحلة، وربما نتيجةً للصورة الزائفة التي تشكلت في أذهانهم عن الجسد المثالي؛ بفعل متابعة المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يخضعون للكثير من عمليات التجميل، ويجرون الكثير من التعديلات عبر الفوتوشوب على صورهم، لإخفاء أي عيوب جسدية فيها، ولإظهار أنفسهم بأفضل وضعية، فكل هذه الأمور يمكن أن تتسبب بمقارنات لدى المراهق حول جماله وتناسق جسده، ومدى تقبل الآخرين له، خاصةً إذا كانت البيئة المحيطة تساعد في تفاقم هذه العقدة لديه؛ كالتعليقات والانتقادات الساخرة باستمرار، من شعر وجههم، أو وزنهم الزائد، أو لون بشرتهم الداكن، أو سرعة نموهم مقارنةً بأقرانهم في العمر نفسه، فنجد هذه المشكلة أكثر وضوحًا لدى المراهقين الذين بلغوا في سن مبكرة.^[٢][٣]

2. التغيرات النفسية

تتسبب الهرمونات بتقلب المزاج، والشعور بالحزن، وكذلك البكاء دون سبب معروف، أو الشعور بالغضب الشديد والمبالغ فيه اتجاه الأمور الصغيرة، مما قد يؤدي إلى انعدام الاستمتاع بالأنشطة المعتادة، وفقدان الاهتمام بالعائلة، والدخول في صراعات مستمرة معهم، كما يصبح المراهقون أكثر حساسية اتجاه أبسط الأمور، مما يجعل التعامل معهم أصعب، بالإضافة إلى المشكلات النفسية التي تنشأ عن عدم تقبل المرحلة الحالية، إذ يدخل المراهق في صراع نفسي ما بين رغباته كطفل سابقًا حين كان يلعب ويفعل ما يريد دون قيود، وبين وضعه الحالي الذي أصبح فيه مطالبًا بالكثير من الأمور؛ كالاعتناء بإخوته الأصغر منه، والمساعدة في المنزل، وتحمل مسؤولية مستقبله، لا سيما إذا كان في المرحلة الثانوية، كل هذه الأمور ستشكل الكثير من الضغوطات النفسية على المراهق، التي قد تفقده ثقته بنفسه، وتحمله عبئًا إضافيًّا.^[٤]

3. الشعور بالذنب

يصبح المراهقون مع مرور الوقت أكثر وعيًا بأجسادهم، وبرغباتهم الطبيعية، فيبدؤون باختبار المشاعر والرغبات الجنسية لأول مرة، لا سيما إذا كانت البيئة المحيطة بهم من الأصدقاء سيئة، إذ تدفعهم لمشاهدة الأفلام الإباحية، بل والإدمان عليها، مما يتسبب في النهاية بشعورهم المستمر بالذنب، وربما يشعرون بأنهم قد تجاوزوا الحدود الدينية، مما يجعلهم يشعرون بأنهم أشخاصٌ غير جيدين، وقد تتفاقم هذه المشاعر السلبية اتجاه أنفسهم، ليصبحوا مكتئبين أو منعزلين؛ لأنهم يخالفون مبادئهم، وتوقعات أهلهم عند اتباع رغباتهم.^[٥][٦]

4. التغيرات السلوكية

يبدأ الطفل في مرحلة المراهقة بالميل إلى إنشاء عالمه الخاص بعيدًا عن العائلة، ليكون هو المصدر الوحيد لاتخاذ القرار، فيميل إلى الاستقلالية بشكل أكبر، وإلى التشكيك بقواعد الوالدين وعاداتهما وأفكارهما، مما يخلق فجوة كبيرة ما بين المراهق وأهله، فلا يستطيع المراهق العودة للعائلة، ولا يستطيع والداه اللحاق به، إذ يتمسك الكثير من الأهل بعادات وأفكار بالية، لا تتناسب مع الزمن الحالي، فيفضلون حبس أولادهم في المنزل؛ لحمايتهم من العالم الخارجي، وعلى العكس من ذلك ستجد المراهق يتبع أقرانه دون تفكير، ويقلدهم في كل شيء، بل وسيدخل في تحديات غير مناسبة له، كي لا يسخر منه أحد أصدقائه إذا رفض تحديه، وهذه الخلافات توسع الفجوة ما بين المراهق وأهله، مما يزيد العبء عليه، ويجعل جو البيت سلبيًّا ومشحونًا طوال الوقت، وهذا يدفعه إلى أن يبتعد أكثر، فيصبح حاد الطباع، وعصبيًّا، وعدوانيًّا بشكل مفرط، ودون سبب.^[٤]

الأمراض النفسية ورفضها المجتمعي

إن مرحلة المراهقة حساسة جدًّا، وتتطلب جهدًا أكبر من الأهل؛ للتعامل بشكل صحيح مع أبنائهم المراهقين، إذ إن المراهق يتعرض للضغوطات النفسية الكبيرة؛ كالانتقادات لجسده وشكله، والتي تفقده ثقته بنفسه، وتشعره بالنقص، فقد يصاب المراهقون لا سيما الإناث بمرض فقدان الشهية العصبي، إذ تمتنع الفتاة عن الأكل، وتجبر نفسها على التقيؤ لإفراغ معدتها، كل هذا خشية زيادة الوزن، التي تعرضها لمزيد من التنمر والانتقاد، وكذلك التغيرات الهرمونية لدى المراهق، التي تجعله متقلب المزاج، وهذا سيعرضه للمزيد من الهجوم، بالإضافة إلى شعوره بالذنب الملازم لارتكاب الخطيئة عند إدمانه على الإباحية، وعدم قدرته على التخلص منها، وكذلك رغبته بالسيطرة على حياته والتحكم بها بشكل مطلق، بعيدًا عن تدخلات الأهل وتحكمهم به، لا سيما في العائلات المتشددة التي تميل إلى خنق حرية أبنائهم بشكلٍ تام، حينها سيبدأ المراهق بالشعور بالدونية، والنقص، وانعدام الأهمية، والرغبة بالتمرد، أو حتى الانتحار، فقد يصبح مكتئبًا وقلقًا باستمرار، ولا يجد أحدًا يستطيع تفهمه، خصوصًا وأن المجتمع يرفض تمامًا فكرة الأمراض النفسية وعلاجها، وكذلك الإرشاد السلوكي، فالأهل قادرين على زيارة المختصين ليحصلوا على التوجيهات والإرشادات عند التعامل مع ابنهم المراهق، ومع التغيرات التي تطرأ عليه، قبل الوصول إلى مشكلة حقيقية تحتاج للعلاج النفسي.^[٧][٨]

العقد النفسية التي تدفع المراهق للهاوية

من الممكن أن يصاب المراهق بفقدان الرغبة، والاكتئاب، والقلق، نتيجةً لعدة ضغوطات، كضغوطات الأهل التي تحمله عبئًا لا يستطيع التعامل معه، مما يدفعه إلى تجربة أشياء أخرى تنسيه كل هذه الضغوطات، وتأخذه لعالم آخر، دون أن يفكر بمضار هذه الأمور، على المدى القريب والبعيد، وكذلك قد يسلك المراهق طريق المخدرات؛ نتيجةً للتحديات مع أصدقائه الذين يسخرون منه لأنه خائف وغير قادر على تجربة شيء جديد دون طلب الإذن من والديه، فيحاول حينها أن يثبت رجولته، وأنه قادرٌ على اتخاذ القرار وحده، كل هذه الأزمات النفسية، ستدفعه إلى طريق لا رجعة عنه، فتعاطي المخدرات من أكبر المشكلات التي تواجه المراهق وأخطرها، ويجب على الأهل التعامل معها بشكلٍ سريع، فالمراهقون ضعفاء، ويمكن أن ينحرفوا إلى الخطأ بسهولة.^[٩]

نصائح للأهل للتعامل مع أبنائهم المراهقين

واجبك اتجاه ابنك المراهق حمايته من العقد والأمراض النفسية، وعلاجه، ومراعاته في مرحلة المراهقة، لكن يجب عليك أن تبدأ معه منذ الطفولة، فالطفل الذي يعيش حياة طبيعية وسليمة منذ الصغر، ستكون استجابته أفضل في مرحلة المراهقة، وفيما يلي بعض النصائح التي يمكنك اتباعها:^[١٠]

• تقبل التغيرات التي يمر بها ابنك: يجب عليك تقبل أن ابنك المراهق مُجبرٌ على المرور بالكثير من التغيرات الجسدية والنفسية والسلوكية، فإذا لم تتقبله وتدعمه في هذه المرحلة، ستكون استجابته سلبية فيها.
• عزز ثقته بنفسه: عندما تعزز ثقته بنفسه، ستعلمه كيف يستجيب لانتقادات الآخرين ويرد عليها بشكل صحيح.
• امنحه مساحة خاصة: يجب عليك أن تمنحه حرية اتخاذ قراراته، ولكن ضع له حدودًا لا يجب عليه تخطيها، ووضح العواقب المترتبة على تجاوز تلك الحدود.
• توقف عن إصدار الأوامر: إن اتباعك أسلوب الآمر والمأمور سيدفع ابنك إلى التمرد، لذا تحدث معه دومًا، واطلب منه ما تريد، بعيدًا عن صيغة الأمر.
• ثقف ابنك بالتغيرات الجسدية التي سيمر بها: لا بد أن المراهقة والتغيرات الجسدية التي يمر بها المراهق من أصعب الأمور، لذا يجب عليك أن تثقف ابنك وتعلمه كيف يتعامل مع جسده، وهذا يستلزم أن تحدث الأم ابنتها عن الدورة الشهرية والرغبات الجنسية، وكذلك الأب يحدث ابنه عن البلوغ والرغبات الجنسية، فهذا سيجعلهم أكثر وعيًا بأجسادهم، وكيفية التعامل مع رغباتهم بشكل صحيح، وبإمكان الآباء قراءة كتب، أو مشاهدة برامج موثوقة، أو سؤال المختصين عن الطريقة الصحيحة لبدء هذه الحوارات الخاصة.